الاتجاه من تعليم اللغة العربية إلى تعليم فنون اللغة العربية والقرائية
حتى وقت قريب كان التركيز في تعليم اللغة العربية ينصبّ على اللغة والأدب والبلاغة حيث تأخذ ساعات تدريس النحو والصرف والبلاغة ودراسة الشعر النقد الأدبي الجزء الأكبر من وقت التدريس في مدارس الوطن العربي.
ففي دراسة أجرتها شركة “أبسوس” سنة 2013 شملت 1500 طالبا و 200 معلّم من دول عربية أربع هي مصر والأردن والامارات العربية وتونس جاءت النتائج لتوضح التالي:
في سؤال للمدرّسين عن أي المهارات في صف اللغة العربية هي التي يولونها الوقت الأكبر قالوا إنّ النحو والقواعد تأخذ النصيب الأكبر من الوقت في صف اللغة العربية تتبعها القراءة الجهرية.
60% من المدرّسين في تونس يعتقدون أنّ النحو هي المهارة التي يستمتع بها الطلاب مع أنّ 53% من الطلاب التونسيين قالوا إنّ النحو والقواعد هي أكثر ما يضايقهم في دراسة اللغة العربية.
وعليه فإنّ المنحى الكلاسيكي المتّبع في تدريس اللغة العربية والتركيز المفرط على النحو والصرف والبلاغة والنتائج المخزية التي حصلت عليها البلدان العربية التي تقدّمت لامتحان البيرلز الذي يقيس كفاءة الطالب اللغوية كلّ ذلك يشير إلى حاجة ماسّة في تغيير المنحى المستخدم إذ نفكّر في اللغة العربية وطرائق تدريسها.
هناك أيضا ضرورة قومية لتغيير “الدور” الذي تلعبه اللغة العربية في حيواتنا. فدور اللغة ليس انكفاء على دراسة ما هو “غير طبيعي” كالصرف والنحو والبلاغة وإنما هو انغماس في الدور الطبيعي للغة وهو تسخير اللغة لفكّ رموز الكلام ولفهم العالم من حولنا مما يمكّننا من العمل والتعلّم مدى الحياة. من هذا تحديدا أتى مفهوم القرائية كأساس لتعليم اللغات عالميا والذي يعرّف على أنه استخدام القراءة والكتابة والتحدّث والاستماع من أجل التعبير عن الفكر وفهم العالم من حولنا. وبالتالي يتغيّر “الدور” الذي تلعبه اللغة لتصبح الأداة التي بها نمكّن الدارس من الإطلالة ليس على عالم واحد متجانس وإنما على عوالم مختلفة وشاسعة ومتباينة. ومن هنا يصبح الانزياح عن تعليم اللغة العربية بصرفها ونحوها وبلاغتها ضروريا والتوجّه عوضا نحو تعليم فنون اللغة العربية. وفنون اللغة العربية نعرّفها بأنها تلك الفنون التي لا تقتصر على مهارات القراءة والكتابة والتحدّث والاستماع وحسب وإنما تمتدّ لتشمل مهارات البحث والعرض الشفهي والبصري والحركي ومهارات التفكير العليا والإبداع. هنا يكمن دور اللغة وأهمية أن نحرّك هذا الدور من سلبي مفتون باللغة لأجل اللغة إلى دور عملي علمي عصري يلائم اشتغالات اللغة وأدوارها في قرن أدواته التفكير والتفكّر والتقصّي والقدرة على تسويق الأفكار.