الموقع الرسمي للدكتورة هنادا طه تامير

ردّ على مقال الدكتورة سهير السكري: أمة عربية بلا لغة

حضرة الدكتورة الفاضلة والزميلة العزيزة سهير السكري.  قرأت مقالك بالأمس في جريدة “المصري اليوم” وبرغم تقاربنا الفكري والأكاديمي وإعجابي بكثير من مواقفك إزاء اللغة العربية وغيرتك عليها،  إلا أني رأيت أنه لا بدّ لي من الرّد على بعض ما جاء في المقال كي لا يظن القارئ أنّ ما جاء فيه حقائق علمية مثبتة وأنّ اللغة العربية لا تُنقَذ إلا بحفظ المتون القديمة وأبيات من ألفية ابن مالك.

في البداية أحبّ أن أؤكّد أننا متفقتان على أهمية تعليم اللغة العربية الفصيحة والاهتمام بها منذ الصغر. ولكن هناك حقائق علمية وبيداغوجية ونفسية لا بدّ من إرساء أي طريقة لتعليم اللغة العربية الفصيحة للأطفال عليها.

أولا: اللغة العربية هي لغة فيها ازدواجية تتعايش فيها اللهجات المختلفة مع اللغة المعيارية (الفصيحة بتدرجاتها) وهذا ليس بأمر طارئ على اللغة وليس يقتصر على اللغة العربية وحسب.  مسألة اللهجات المختلفة قديمة قدم اللغة العربية ذاتها ولم تكن يوما عائقا في سبيل إتقان الفصيحة.  إذن، فنحن لسنا في حرب مع اللهجات لأنها تثري الفصيحة وتحرّكها وتجبرها أحيانا على تبنّي مفردات اصطلح العامة ومن بعدهم الخاصة على أهميتها وفعاليتها في التواصل.

ثانيا: اللهجات أغنى بكثير من ال 3000 كلمة المذكورة في مقالك بسبب تنوّعها وبسبب دخول مفردات جديدة عليها كلّ يوم. لا يوجد أيّ مصدر علمي يؤكّد ضآلة العدد الذي أوردتِ في مقالك.  في بحث بسيط على غوغل مثلا وجدتُ معجم اللهجة السورية المنشور سنة 2004 في جامعة جورج تاون ويحتوي على 15,000 دخلة هي فقط أهمّ المفردات المستخدمة في اللهجة السورية وحدها.  لو أضفت إليها مفردات اللهجات العربية الأخرى بكل اشتقاقاتها لحصلنا على ملايين المفردات كذلك.  المشكلة ليست في قصور اللهجات العامية وإنما في اقتصار اكتساب اللغة وتعلّمها على اللهجات في ملايين صفوف اللغة العربية وفي نظام تعليمي يكبّله القصور في قدرته على تعليم اللغة العربية الفصيحة بشكل علمي وحديث ومحبّب.

ثالثا:  أتفق تماما معك بأن اللغة والفكر صنوان لا يفترقان وهذا يعني أنّ الحلّ لا يكون بحفظ ببغائي لأبيات من ألفية ابن مالك أو غير ذلك مما لا يستوعبه الطفل.  إذا كنا نتكلّم عن الفكر فإنّ الفكر يطوّر باستخدام لغة راقية وفصيحة للتحدث في شتى الموضوعات العلمية والأدبية والتي تتناسب وتطور الأطفال.  دون فهم للغة التي يرددون أو يقرأون أو يكتبون فإن ذلك لن يساعدهم إلا على الترداد الأعمى الذي خَلق في عوالمنا دواعش القلب ودواعش اليد ودواعش الفكر.  نريد لأطفالنا محتوى بالفصيحة يحاكي تجاربهم اليومية، نريد محتوى يضحكهم  في عالم حولهم كله بكاء.. نريد محتوى يلمس قلوبهم  في عالم قاسٍ قاسٍ ويفتح عقولهم في عالم اكتسح فيه التطرف والكراهية  العنصرية بيوتنا ومدارسنا.  نريد محتوى يتعامل معه الصّغار بحميمية وبحبّ.

رابعا: المشكلة سيدتي ليست حصرا في المحتوى الذي يُكتب للأطفال باللغة العربية.  المشكلة أعمق وأكثر تشعبا ولكنها ممكنة الحل.  من حيث المحتوى فإنه يحتاج أن يكون طيّعا، سهلا حديثا فيه من العلم والأدب والسِيَر والبيانات ما يتوافق وعالم اليوم. وإنما المشكلة الكبرى هي في طرائق تربية الأطفال وتعليمهم في المدارس.  المشكلة هي مشكلة أولياء أمور ومعلّمين لم يتلقوا تدريبا كافيا وفعالا في طرائق تربية ومعاملة الأطفال وتعليمهم، والمشكلة هي أيضا في أنظمة تعليمية نفضت يدها من التعليم والتعلّم وأدارت وجهها لجهات لا يعلمها إلا هم أو أنظمة تعليمية أخرى لديها من النوايا الحسنة ما يكفي ولكنها لا تعرف من أين تبدأ وإلى أين المسير أو المصير.

بربّك سيدتي، دعينا نعلّم الأطفال الفصيحة بكلمات يفهمونها ويحبونها ودعينا نغرقهم بكتب أدب الأطفال والقصص التي تلمس القلوب والعقول معا.

Categories: المدونة